بطرس غالي: هل كان يهوديّاً

بطرس بطرس غالي: هل كان يهودياً؟

 

بطرس بطرس غالي الذي توفي يوم أمس في القاهرة هو الرجل الذي قاد مصر لتكون مزرعة للعدو الصهيوني يعبث بها وبتاريخها وحضارتها وحاضرها ومستقبلها.

صحيح أن أخلاقنا تفرض علينا أن نذكر حسنات موتانا، ولكن هذا الرجل ليس من موتانا، لأنه لم يكن يوماً لنا، بل كان علينا دائماً، كان نصيراً وظهيراً للعدو الصهيوني ولكل المؤامرات والدسائس التي كانت تُحاك على مصر والأمة العربية، فهو وزير في مصر وعديله، أي زوج شقيقة زوجته، وزيراً في دولة العدو.

وإذا كان هو مهندس تحويل انتصارات جيش مصر عام 1973 إلى هزيمة نكراء لمصر، فدفع بمصر لتعطي العدو بالسياسة والدبلوماسية ما لم يتمكّن من أخذه بالحرب، أكان ذلك من خلال موقعه في وزارة الخارجية او ان كان بصفته الوسواس الخنّاس للرئيس السادات حيث هيّأ كل الظروف التي دفعت بالسادات لزيارة كيان العدو ومن ثم لتوقيع معاهدات كامب ديفيد وملحقاتها المذلّة التي أطاحت بكل انجازات الجيش المصري في حرب اكتوبر،

وهو ما أدّى إلى عزل مصر عن الأمة العربية وقضاياها وأوقعها في أزمة مديونية أين منها مديونية الخديوي اسماعيل الذي كان بطرس غالي الأكبر، جدّ هذا، في خدمته، أو ان كان من خلال موقعه في الأمانة العامة للأمم المتّحدة التي نالها تكريماً لجهوده في خدمة العدو الصهيوني ولأبنائه من زوجته اليهودية التي يعتبرهم الاسرائيليون يهوداً، فهو، وفوق كل ذلك، نجح حيث فشل أسلافه، جدّه وأبيه، نجح في كسر مصر وإرادتها، نجح في تنفيذ مآرب أعداء مصر، دون أن تتمكّن أيدي المناضلين الوطنيين في مصر من النّيل منه مثلما نالت يدهم من جدّه وأردته قتيل أفعاله ومؤامراته على مصر، أو كما تمكّنت جماهير مصر عام 2011 من فرض الهرب على ابن شقيقه يوسف غالي وزير مالية الرئيس حسني مبارك والذي كان مهندس تدمير الاقتصاد المصري ونهبه ففرّ لاجئاً إلى بريطانيا منعاً من المساءلة القانونية على الجرائم المالية التي ارتكبها بحق مصر.

       ويبدو أن لهذه الأسرة دوراً مرسوماً من دوائر القرار الدّولية للعبه في مصر والتآمر عليها من الدّاخل، فما هو هذا الدّور التي تولّته هذه العائلة على امتداد اكثر من قرنٍ من الزمن؟ وهو دور يبدأ منذ الجد الأكبر لبطرس غالي المدعو نيروز غالي الذي كان يتولّى الإشراف على ممتلكات شقيق الخديوي اسماعيل في الصعيد. ويمكننا تلمّس ما لهذه الوظيفة من دلالات حين نعرف بأن كل ممتلكات الأسرة الخديويّة كانت تحت الرقابة والحراسة من جانب المصارف الفرنسية والبريطانية سداداً لديونهم الشخصيّة والعموميّة، وبالتالي يمكننا الاستنتاج بان نيروز باشا غالي لم يكن في خدمة شقيق الخديوي اسماعيل، بل كان مراقباً عليه وعلى ممتلكاته لصالح تلك المصارف، أي أن العمالة للخارج هي الأصل.

الجدّ: بطرس نيروز غالي:

بطرس باشا نيروز غالي (20 شباط/ فبراير 1846 – 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1910(فهو كوزيرٍ للخارجية صاغ ووقع على إتفاقية الحكم الثنائي الإنجليزي المصري للسودانعام 1899 والتي شكّلت واحدة من أغرب الاتفاقيات في تاريخ الدبلوماسية العالمية، حيث نصّت هذه الاتفاقية على احتلال بريطانيا للسودان والقضاء على الثورة المهديّة فيها على نفقة الدولة المصريّة دون أن يكون لمصر أي سلطة على السودان، وقد نصّت هذه الاتفاقية بأن السلطة على السودان محصورة بيد الحاكم البريطاني كما أن التنظيمات والقوانين المصرية لا تسري في السودان إنّما يسري ما يقرّه الحاكم البريطاني الذي لا سلطة لمصر عليه.  

وكان بصفته وزيراً للعدل بالوكالة عام 1906 صادق على أحكام بإعدام عدد من الفلاحين المصريين صادرة عن ما عُرف باسم "محكمة الهلباوي" نسبة لممثل الادّعاء العام في تلك المحكمة ابراهيم الهلباوي باشا الذي برّأ المجرمين وأدان المعتدى عليهم في أغرب محاكمة قامت بها محكمة مصريّة حيث قضت بتحويل عشرات الفلاحين المصريين إلى مذنبين لأنهم دافعوا عن أنفسهم بوجه غطرسة جنود الاحتلال الانكليزي وتعدّياتهم على النساء والأطفال بعد قتلهم لامرأة ولرجل في بلدة دنشواي، وهي المحاكمات التي أعقبت الحادثة الشهيرة باسم "حادثة دنشواي".

ومن الصفقات التآمرية على مصر لصالح المستعمر، وفي خطوة أخرى تعتبر من الخطوات الغريبة العجيبة، أنه تواطأ عام 1809، بوصفه رئيساً للوزراء، مع شركة قناة السويس على تمديد فترة امتيازها لمدة أربعين عاماً إضافيّة وذلك قبل أربعين عاماً على انتهاء فترة الامتياز الذي كان ينتهي عام 1968، أي أنه بموجب هذا التمديد كان من المفترض أن يتمّ التمديد من عام 1968 لغاية عام 2008 وذلك مقابل أربعة مليون جنيه، مقسّطة على أربعة أقساطٍ متباعدة، وهو المبلغ الذي كانت تجنيه الشركة في أقل من سنة واحدة. وقد تمكن محمد فريدبك المحامي، وهو من مناضلي الحزب الوطنيآنذاك، من الحصول على نسخة من المشروع الذي كان ينوي رئيس الوزراء تمريره بشكلٍ سرّي، ونشرها في جريدة اللواءفي كانون الأول/ ديسمبر عام 2009. وعلى إثرها تحرّك الشارع الوطني المصري مستنكراً هذه الصفقة ممّا دفع باللجنة الإدارية للحزب الوطني إلى عرض المشروع على الجمعية العموميةالتي رفضت مشروع هذه الصفقة - المؤامرة.

وقد نجحت الحركة الوطنية المصريّة في تصفيته حيث تم اغتياله علي يد المجاهد الوطني إبراهيم ناصف الوردانيفي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1910.

العم: واصف بطرس غالي:

عم بطرس بطرس غالي هو واصف بطرس نيروز غالي الذي وُلِدَ بالفجالة في القاهرة في 14 نيسان، أبريل عام 1878، وتلقّى تعليمه في مدارس الرهبانيّة اليسوعية الفرنسية (الجزويت) بالقاهرة، التي أرسلته إلى فرنسا حيث نال هناك شهادة الحقوق عام 1904، وبعد عودته من باريس عمل بالمحاماة، وبعد مقتل أبيه عام 1910 كان من الصعب عليه وراثته في العمل السياسي لما كانت عليه سمعة والده السّيئة في الوسط المصري من جهة، ومن جهة ثانية لارتباطه مع دوائر في الخارجية الفرنسية رأت بريطانيا فيه شخصاُ غير مرغوب به، لا من حيث انتمائه السياسي، ولا من حيث سمعة والده، وهذا ما جعله يتقرّب من أوساط المعارضين للاحتلال البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى والذين كان يتزعّمهم سعد زغلول في تلك الفترة.

وحين رفضت بريطانيا طلب سعد زغلول بتشكيل وفد مصري للمشاركة بالمفاوضات حول إنهاء الحرب وتوقيع معاهدات واتفاقيات السلام في فرنسا، طلبت فرنسا من سعد زغلول أن يضم الوفد المصري واصف بطرس غالي حتّى تدعم مشاركة الوفد المصري في المؤتمر، وهذا ما كان، حيث خضعت بريطانيا للطلب الفرنسي وقبلت بوفد مصري في المؤتمر.

وعندما شكّل سعد زغلول حكومته عام 1924، طلبت فرنسا من سعد زغلول تعيين واصف بطرس غالي وزيراً للخارجية، وقبلت بريطانيا بهذا التعيين لأنه يعيد الاعتبار للرجل الذي خدمها طويلاً، أي والده، بعد أن تمكّن واصف من خلال انتمائه لحزب الوفد الأكثر شعبية في مصر في تلك الفترة، من تحسين صورته وتلميعها وليضع نفسه من جديد في خدمة المشروع الاستعماري في مصر، وتولّى وزارة الخارجية في أول وزارة شعبية برئاسة سعد زغلول، ثم تولى المنصب نفسه في وزارة مصطفى النحاس باشا الأولى والثانية والثالثة والرابعة.حيث بقي في هذا المنصب لعشية الحرب العالمية الثانية.

ابن الأخ: يوسف بطرس غالي:

وإذا كان الجدّ الأكبر لهذه الأسرة نيروز غالي قد أسّس هذه الأسرة من خلال عمله كناظر على ممتلكات شقيق الخديوي اسماعيل في الصعيد، كواحدٍ من الذين عينتهم المصارف البريطانية والفرنسية للإشراف على تفليسة مصر الخديويّة، فإن آخر مَن تقلّد الوزارة من هذه الأسرة كان حفيده يوسف رؤوف يوسف بطرس نيروز غالي أي ابن شقيق بطرس بطرس غالي المتوفي يوم امس الثلاثاء 16 شباط/ فبراير 2016. فهذا الحفيد استعاد دور "النظّارة" المالية والاقتصادية على مصر الذي كان يلعبه جدّه الأكبر، ولكن على نطاق أوسع وأشمل، فهو يمكن اعتباره "المدير التنفيذي" لعملية تدمير ونهب الاقتصاد المصري والإشراف على إغراق مصر بالديون وتغطية عمليات الفساد المالي في كافة مفاصل السّلطة المصريّة.

وكانت عملية إعداد هذا "الحفيد" لهذه الأسرة منذ أن التحق عام 1974، وكان في اوائل العشرينات من عمره، بمعهد ماساتشوستس للتقنيةبالولايات المتحدة الأمريكية، وما أن أنهى دراسته في هذا المعهد عام 1981حتى تمّ ضمّه إلى العاملين في "صندوق النقد الدّولي" بصفة خبير حيث تواصلت عملية إعداده لخمس سنوات، حتى عام 1986، حيث عاد إلى مصر ليكون حتى العام 1993 مستشاراً اقتصادياً لكل من رئيس مجلس الوزراء ومحافظ البنك المركزي المصري.

ومنذ العام 1993 وحتى انهيار نظام حسني مبارك عام 2011، أصبح عضواً دائماً في كل الحكومات التي شكلها حسني مبارك، يتولّى الحقائب الأقتصادية الأكثر خطورة كوزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية فضلاً عن وزارة المالية.

ونظراً لخطورة دوره في الاقتصاد المصري، وخطورة الملفّات التي بين يديه، فقد كان من أوائل وأهم شخصيّات نظام حسني مبارك الذين اهتمّت المخابرات الاميركية بتأمين الحماية الشخصيّة له ولعائلته إبّان الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بنظام حسني مبارك حيث أمّنت تهريبه إلى الولايات المتحدة حيث أقام لفترة في نيويورك ثم انتقل إلى بريطانيا متمتّعاَ بالحصانة الدبلوماسيّة والرعاية التّامّة، وفي الوقت نفسه مُنِعَت الحكومات المصرية التي أعقبت حكم حسني مبارك من المطالبة باستعادته لمحاكمته على ما نُسِب له من هدر للمال العام وتهريب للثروات إلى خارج البلاد.

هل عائلة غالي يهوديّة؟

والمُلفت هو أن مجلة "روز اليوسف" المصرية كانت قد كشفت في عدد صادر في 25 أيار / مايو عام 2011 عن وثائق شديدة الخطورة ليوسف بطرس غالي وزير المالية الأسبق الهارب في لندن أنه حاول خلال الآونة الأخيرة التقرب للحاخامات الإسرائيليين في بريطانيا من خلال تردده علي معبد «بيفيس ماركس» بلندن.

وأشارت المجلة إلى ان هذه الوثائق تؤكد حصول «غالي» على وثيقة من الحاخام باري ماركوس حاخام المعبد الكبير في لندن وثقتها السفارة الإسرائيلية هناك في 12 حزيران 2011 تتيح للوزير الأسبق السفر إلي إسرائيل كمهاجر جديد.

وأكدت الصحيفة على أن المعبد الذي كان يتردد عليه يوسف بطرس غالي في نيويورك هو نفسه فرع المعبد الرئيسي في لندن وذلك من مطالعة أوراق ومستندات معبد لندن، ومن هنا يمكن الجزم أن غالي طلب يومها من حاخام المعبد بنيويورك الحصول على نص الدخول في اليهودية، وهو تلك الكلمات السبع التي يرددها الشخص الذي يريد اعتناق اليهودية أو من يريد التحول من أي دين للديانة اليهودية.. وبالفعل منح الحاخام يومها غالي الورقة وسجل في سجلات المعبد اليهودي القصة التي رويت بشكل رسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أثناء زيارته في تلك الفترة للولايات المتحدة.

ولا شك بان معلومات "روز اليوسف" ليست دقيقة بالكامل، لأن تلك "الكلمات السبع" لا يقولها من يريد الدخول في اليهودية او الانتقال لها من أي ديانة أخرى كما تقول، لأن الديانة اليهودية ديانة مغلقة ولا تسمح لأحد بالانتماء اليها. بل يقولها من يريد "استعادة" يهوديته كاليهودي من أبوين ملحدين ولم يسبق له ان التحق بأي معبد ولم يؤدِّ أي طقوس دينية، أو المنحدر من أسرة غير يهودية إنّما أمه أو إحدى جداته يهودية، وقد يكون محرّر تلك الوثائق قد وقع بالالتباس بسبب الترجمة.

ولكننا اعتماداً على ما روته "روز اليوسف"، يمكننا طرح السؤال: هل أن عائلة غالي هي عائلة يهوديّة تنصّرت في مرحلة من المراحل للتخفّي؟ أم أن والدة بطرس بطرس غالي، وبالتالي جدّة يوسف بطرس غالي، يهوديّة وليست أرمنيّة كما هو شائع؟ خاصة وأن بطرس بطرس غالي كان قد صرّح في آخر مقابلة صحافية أجراها في العام الماضي مع مجلة "JEUNE AFRIQUE"  ردّاً على سؤال: "هل أثّرت بثقافتك الثقافة الأرمنية لوالدتك؟" فأجاب: "أمي ليست أرمنيّة" دون أن يقول المزيد حول هويّة امه.

وإضافة إلى ذلك، فإن ما يزيد الشكوك حول يهوديّة العائلة هو أن زوجة بطرس بطرس غالي، هي يهودية مصرية اسمها ليا نادلر تنتمي لعائلة نادلر الشهيرة قبل ثورة يوليو، وكانت تمتلك أكبر مصانع حلويات في مصر قبل تأميمها، أما شقيقتها شيلا نادلر فقد تزوجت وزيراً إسرائيلياً.

بغضّ النظر عن ديانتهم، فقد كانت سياستهم منذ أكثر من قرن من الزمن في خدمة المشروع الصهيوني وفي تدمير الاقتصاد والمجتمع المصري، وهذا يكفي لنقول أن هؤلاء ليسوا من أمواتنا، إنّما من أموات أعدائنا الذين ينصبون لنا العداء.

 

 

معلومات إضافية