كتاب "صوت الفؤاد... في رحلة البحث عن خلاص"
المؤلف: عدنان محمد العربي
الناشر: مكتبة الفقيه - بيروت، لبنان
يستخدم المؤلف، في كتاب "صوت الفؤاد... في رحلة البحث عن خلاص"، أسلوب السرد القصصي، لكي يسهّل على القارئ متابعة الأفكار والمفاهيم الواردة في النص، دون أن يغرقه في رتابة التحليل السياسي، والتوصيف المباشر للأحداث الكبرى. ولكن لا يجوز إدراج الكتاب في خانة الرواية أو القصة، بل هو مجموعة من الخواطر والتأملات، تتناول مشكلات "الأمة" بأسلوب يتميّز بالسلاسة الأدبية والرمزية، ولا يتخلى عن المحاولة الجادة لتشخيص تلك المشكلات، واستشراف مساراتها المرتقبة.
في "رحلة البحث عن خلاص"، تبرز شخصيتان رئيسيتان هما "الشيخ الجليل" و"المسافر "، ولكنهما تمثلان شخصية معنوية واحدة. فمن جهة، يمثّل "الشيخ الجليل" الرجل الذي يتمتع بحكمة فطرية، ويلقي أحكامه بتجرد خالص دون أي غايات شخصية. أما "المسافر" فيمثل "العنصر الفاعل"، الذي يؤمن بتوصيف الشيخ للأزمة، ويسعى لتحقيق توصياته في البحث عن سبل الخلاص.
يوظف الكاتب هذه الشخصية المزدوجة في مهمة التعبير عما يدور في ذهن الناس العاديين الذين يدركون، بوعيهم الجمعي وحسّهم الفطري، أن "الأمة غارقة في غياهب التجهيل، والإفساد، في كل مجالات الحياة،" وأن عليها أن تصحو من غفلتها المميتة.
وفي الوقت نفسه، يستخدم المؤلف الشخصية ذاتها لتكون الأداة المؤهلة لإستقطاب العناصر الواعية من أبناء الأمة، الذين يبحثون عن سبل النهوض والصحوة، ولكنهم يجدون أنفسهم أمام "متاهة إلتبست فيها دروب الخلاص"، نظراً لكثرة التنظيمات السياسية المتباعدة حتى العداء، واختلاف توجهاتها الفكرية والعقائدية، وولاءاتها المشتتة.
متسلحاً بالوعي والإرادة الحرة، يبدأ "المسافر" رحلته الطويلة، وربما الأخيرة، ولكن الراوي لا يحدد أسماء الأماكن التي يتنقل منها وإليها، ولا أسماء الشخصيات التي يلتقي بها، بل يجعل من الترحال مساراً تتنقل فيه الأفكار والمفاهيم والمواقف من موقع الى آخر، لتجميع الملتزمين بها والمستعدين للعمل بهديها، بغض النظر عن أماكن إقامتهم أو الفئات الإجتماعية التي ينتمون إليها.
"لم يستثن الشيخ أحداً من مخاطر ما وصل إليه أبناء الأمة من تدهور وانحطاط. كلهم بنظره ضحايا، إما غافل، أو مضلل، أو مغرور: الحاكم والمحكوم، الفقير والميسور، المتمرد والقاضي، الخبيث والطيب، والمثقف والجاهل.
ناشد الجميع أن ينصتوا لصوت الفؤاد، مخزن الأحكام والعبر، وأن يتفكروا أين انتهى بهم زمانهم، وأن يعيدوا النظر بما أوصلهم الى هذا المفترق الخطير."
يلتقي المسافر خلال تجواله المتواصل بشخصيات من كل المشارب والمآرب ويناقشهم بكل المسائل ثم يدون في دفتره ما يدور في ذهن العامة والخاصة، ويسجل وقائع ما يتلمسه في مشاهداته الحية.
وهكذا يلخص المسافر أوجه التردي المتسارع في حال الأمة، ويرى، في المقام الأول، كيف يعمل "الكيان المغروس في قلب الأمة" على انتقال المجتمع من حقبة امتلاك عناصر القوة، إلى حالة الوهن والتبعية، حيث تتهاوى عوامل المنعة الواحد تلو الآخر.ولكن الأنكى في اكتشافات المسافر، أن أبناءالأمة، من كل الفئات والمراتب الإجتماعية يمسكون معاول الهدم بأيديهم..
يخاطب المسافر صديقه "الصحافي" بكلمات تحثّه على إنهاء فترة اعتكافه عن الشأن العام:
"لقد مررت بخيبات أملٍ لا تحصى، وأفنيت عمرك في الثورة والنضال بلا كلل. وشفاعتك الكبرى أنك لم تستسلم، ولم تنحرف مثل الكثيرين من زملائك الذين انتهوا الى مواقع يجترّون فيها ترّهات الفكر وفذلكاته، على الشاشات وفوق المنابر، ببِدَلٍ مدموغة، وربطات عنق على الموضة."
وعن نفسه، يقول لصاحبه، إن ابتعاده عما جرى كان خطيئة قد لا تُغتفر، ولكن ظلّ على الدوام مِثْله فطريَّ النشأة، فلم يصفق يوماً لغازٍ، ولم يتخذ من العدو وليّاً، ولم يغترف من قاموس الطاغوت نمط الحياة الزائفة، ودعواه المخادعة للإصلاح، وأنموذج حضارته السائرة نحو الهلاك.
وفوق كل هذا وذاك، يُصرح بأن كليهما لم يكونا في موقع صنع القرار، ولم يبْنيا "أمجاداً" على جماجم الضحايا، ولم يتاجرا يوماً بقضية.
وفي واقعة أخرى، يستوضح "الصحافي" من "المسافر" طبيعة مهامّهما الجديدة، ويقول، "منعاً لأي التباس، نحن لسنا على طريق إنشاء حزب جديد في الأمة، أليس كذلك؟" فيرد المسافر، "إن الأمة، يا صاحبي، هي الحزب والوعاء الجامع ونحن نجهد للإنضمام إليه... فلتترسّخ الفكرة في ذهن من يشاركنا في سعينا، ولنهتد بها في حراكنا وخطابنا."
بهذا التوجه العام، يستهدف الكتاب عموم القراء من جميع الفئات، ولكنه يخص المناضلين المستجدين والقدامى على حد سواء، وكل من يسعى صدقاً إلى خلاص الأمة، ولكن يخشى أن يصطدم بعائق مادي أو معنوي، فينحرف عن الهدف الأعلى، أو يُصاب بخيبة أمل، أو يجد نفسه في طريق مسدود.