مقدمة كتاب "كيان صهيوني آخر" يغرس في العراق

لا شكّ أن هذا العنوان، بحد ذاته، يثير موجة من الإستهجان، أو الإعتراض، أو ربما الإستهتار، لدى معظم الباحثين والسياسيين في العالمين العربي والإسلامي على اختلاف ميولهم الفكرية أو انتماءاتهم الحزبية. ذلك أن اللغة السياسية السائدة اليوم عند دعاة الممانعة والمقاومة تدور حول مفاهيم هي أقرب الى الإيديولوجيا منها الى ما يعكس حقيقة ما يجري فعليا على أرض الواقع.

إن الإعتقاد بأن الهجمة الصهيونية-الأميركية قد أصبحت في حالة انحسار، وأن مشاريعها في المنطقة العربية-الإسلامية قد فشلت، إنما يستند الى مفاهيم مغلوطة دأبت الدوائر الصهيونية ذاتها على نشرها وترويجها من ضمن خطتها المعتمدة في مجال الخداع الإستراتيجي. فلو راجعنا معظم الوثائق والتسريبات والدراسات السياسية والتحاليل العسكرية والإستراتيجية، التي تشير الى فشل الولايات المتحدة في حربها على العراق واستحالة انتصارها في أفغانستان، لوجدنا أن مصدرها الرئيسي مؤسسات فكرية ومراكز ابحاث مرتبطة بشكل أو بآخر باللوبي الصهيوني.

قد يتهمنا البعض بأن منطلقات المقالات المنشورة في هذا الكتاب هي ترويج ايديولوجي لأحكام مسبقة حول "حلم اسرائيل الكبرى". فمن حق الجميع أن يتساءل كيف يمكن للحركة الصهيونية أن تنشئ كياناً استيطانياً آخر في عراقٍ  يقطنه حوالى ثلاثون مليون مواطن، وتحيط به دول إقليمية، عربية وأسلامية، ذات شأن لا يستهان به. 

وقد يستسهل البعض إتهامنا بترويج نظرية المؤامرة، التي تَنسِب إلى الطائفة اليهودية والحركة الصهيونية قدرات خارقة للسيطرة على العالم، أو قد يتهمنا العدو والصديق بالتمييز العرقي أو الديني أو بالعداء للسامية. نحن نعتقد أن الصهاينة أنفسهم هم الذين وضعوا نظرية المؤامرة لهدفين محددين، أولهما المبالغة المكشوفة لحجم الحركة الصهيونية وفعاليتها في العالم، بحيث لا يتقبلها العقل السوي، فينكر وجود المخططات والمكائد برمتها، والهدف الثاني، تثبيط عزائم الساعين فعلاً لإحباط هذه المخططات والتصدي لها، بحجة استحالة مواجهة المكائد التي تصفها نظرية المؤامرة بأنها مُحكمة ونتائجها حتمية.

نحاول في مقالاتنا أن نتبنى قراءة مغايرة للأحداث الجارية على الأرض، استناداً الى التحليل الموضوعي، بعيداً من الخطاب الأيديولوجي السائد. ونؤكد بأن الآراء الواردة هنا لا تنتسب الى ايٍّ من التيارات السياسية في هذه الأمة، كما لا تناصر فريقاً ضد آخر. وقد اتبعنا المنهج التحليلي لكشف خصائص الهجمة الصهيونية-الأميركية المستجدة والتي انطلقت بعد أحداث أيلول-سبتمبر 2002، ورصد القوى والوسائل التي تصدت لهذه الهجمة لتحديد جوانب قصورها وأسباب إخفاقها من خلال مراقبة مساراتها المختلفة على الصعد السياسية والعسكرية والعقائدية. فرغم جميع التضحيات والجهود المستنهضة للمواجهة والتصدي، لاحظنا أن الهجمة ما زالت تزداد شراسة، وتحقق أهدافها المرحلية، وتهيئ الأرضية السياسية والعسكرية الصالحة لبلوغ الغايات النهائية دون اي عائق حقيقي يعيق تقدمها ونجاحاتها.

يتهمنا البعض بأننا إذ نحذر من خطر التوسع الصهيوني إنما ننشر أجواء التشاؤم والسوداوية بدلاً من إشاعة التفاؤل والأمل، ولكننا، على العكس من ذلك، ندعو إلى عدم الاستهانة بقدرات إسرائيل والحركة الصهيونية، أو الركون إلى أوهام باتت تترسخ في عقول معظم السياسيين والمفكرين حول نهاية الحلم الصهيوني بإقامة دولة اسرائيل الكبرى على أوسع نطاق ممكن في المنطقة على المدى البعيد. وفي الوقت نفسه، نحاول التنبيه من خطر فعلي راهن على أرض العراق تحديداً، مع التأكيد بأنه خطر ما زال بالإمكان التصدي له وإبطال مفاعيله إذا ما توفرت شروط الإنتصار الحقيقي من وعي سياسي معمق، وتقييم موضوعي لطبيعة الهجمة، وتوفير الإمكانات الضرورية والكافية للتصدي، وتوحيد الجهود المبذولة على كل الصعد والجبهات.

إن المشروع الصهيوني الذي يجري تنفيذه حالياً في العراق(وفي بقية بلدان المنطقة)، وهو إنشاء إسرائيل الكبرى، ما زال في بداية مراحله، بحيث يمكن القضاء عليه في مهده قبل أن يستفحل الخطر، وتصبح نتائجه جزءاً من الأمر الواقع.

 

معلومات إضافية