تأليف غي روشيه
هذا الكتاب، كما ذكر مؤلّفه، ، وكما يشير إليه عنوانه، هو مقدّمة لا بد منها في معرفة علم الاجتماع وللولوج في ميادينه ومجالاته ومختلف غاياته، وليكون عملاً مرجعيّاً لكل المهتمّين بهذا العلم وميادينه المختلفة. فهو عبارة عن خلاصة واسعة وعميقة ومكثّفة لمادة التعليم والدروس والمحاضرات التي ألقاها المؤلّف حول هذا الموضوع على امتداد خمس عشرة سنة في جامعتي كندا: "مونتريال" و"لافال" في الكيبك (كندا)، طبعاً مع إضافات كثيرة وتعديلات مهمّة وضرورية تعود إلى الانتقال من المحاضرات المحكيّة الشفهيّة إلى النتاج العلمي المكتوب.
ومن المعلوم أن هذه "المقدّمة" بأجزائها الثلاثة تعتبر عالمياً أنّها من أهم الكتب الصادرة في العقود الأخيرة في علم الاجتماع، وأغناها وأعمقها وأشملها من حيث طابعها النظري الشمولي والمنهجي على حدّ سواء.
والمؤلف، غي روشيه، كونه كندي الجنسية، من كيبك، المقاطعة الفرنسية في كندا، وأستاذاً جامعيّاً عُرف بعمقه العلمي ودقته في معالجة الأمور النظرية، فإنه، والحالة هذه، فقد استفاد من علم الاجتماع الفرنسي وعلم الاجتماع الانكليزي على حدٍّ سواء، ويمكن القول إنّ مصادره النظرية المتعدّدة المشارب أسهمت بشكل واضح في تكوين شخصيته الفكريّة والعلمية، وصقلت معارفه من خلال التفاعل الحيّ والإيجابي فيما بين ثقافتين متقاطعتين في علم الاجتماع والانتروبولوجيا، نقصد الثقافة الانكلوسكسونية والثقافة الفرنسية، فجعل منهما متفاعلتين، وأغناهما بدقّة ملاحظاته وإبداعه النظري.
ولسوف يلاحظ القارئ من خلال أسماء علماء الاجتماع والانتروبولوجيا والنظريات والتحليلات الواردة في هذا الكتاب، كيف أن المؤلف قد اعتمد بشكل واسع في مراجعه ومصادره ومفاهيمه، على تلك الثقافتين، وكيف استلهم آراء ونظريات الروّاد الأوائل الذين أسهموا بشكل أساسي في تأسيس علم الاجتماع وتحديد ميادينه وغاياته، أكان ذلك من خلال انعكاس الثقافة الفرنسية عليهم، أو من خلال ما انعكس عليهم من الثقافة الأنكلوسكسونية.
وباختصار، فان هذا الكتاب بأجزائه الثلاثة، يشكل ضرورة لا بد منها لتناول علم الاجتماع الخاص أو علم اجتماع بيئة خاصة، فهو يقدّم لنا المادة الأساسية للإلمام بالأسس العامة للتحليل السوسيولوجي. فعلى الرغم من أن علم الاجتماع لم يزل علماً فتيّاً، إلاّ أن له مع ذلك تقاليد وبعضاً من المكتسبات النظرية والمنهجية الخاصة به. فثمة لغة بُنيت، ومفاهيم تحدّدت، وتيبولوجيّات أعدّت، ونماذج أو فرضيات نظرية أُنشئت، فمن خلال هذا الجهاز الفكري والنظري، يستطيع عالم الاجتماع أن يُلقي نظرة على الواقع الاجتماعي، وهذا هو بالضبط ما يضيء عليه غي روشيه في عمله الرّائد هذا.